كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {وتكتموا الحق} هو مجزوم بالعطف على: ولا تلبسوا.
ويجوز أن يكون نصبا على الجواب بالواو أي لا تجمعوا بينهما كقولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن {وأنتم تعلمون} في موضع نصب على الحال، والعامل لا تلبسوا وتكتموا.
قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} أصل أقيموا أقوموا.
فعمل فيه ما ذكرناه في قوله: {ويقيمون الصلاة} في أول السورة {وآتوا الزكاة} أصله آتيوا.
فاستثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت لالتقاء الساكنين.
ثم حركت التاء بحركة الياء المحذوفة، وقيل ضمت تبعا للواو كما ضمت في اضربوا ونحوه، وألف الزكاة منقلبة عن واو لقولهم: زكا الشيء يزكو، وقالوا في الجمع زكوات {مع الراكعين} ظرف.
قوله تعالى: {وتنسون} أصله تنسيون، ثم عمل فيه ما ذكرناه في قوله تعالى: {اشتروا الضلالة} {أفلا تعقلون} استفهام في معنى التوبيخ ولا موضع له.
قوله تعالى: {واستعينوا} أصله استعونوا، وقد ذكر في الفاتحة {وإنها} الضمير للصلاة، وقيل للاستعانة لأن استعينوا يدل عليها، وقيل على القبلة لدلالة الصلاة عليها، وكان التحول إلى الكعبة شديدا على اليهود {إلا على الخاشعين} في موضع نصب بكبيرة، وإلا دخلت للمعنى ولم تعمل.
لأنه ليس قبلها ما يتعلق بكبيرة ليستثني منه.
فهو كقولك هو كبير على زيد.
قوله تعالى: {الذين يظنون} صفة للخاشعين، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار أعنى، ورفع بإضمارهم {أنهم} أن واسمها وخبرها ساد مسد المفعولين لتضمنه ما يتعلق به الظن وهو اللقاء.
وذكر من أسند إليه اللقاء.
وقال الأخفش: أن وما عملت فيه مفعول واحد، وهو مصدر، والمفعول الثاني محذوف تقديره: يظنون لقاء الله واقعا {ملاقوا} أصله ملاقيوا ثم عمل فيه ما ذكرنا في غير موضع.
وحذفت النون تخفيفا، لأنه نكرة إذا كان مستقبلا.
ولما حذفها أضاف {إليه} الهاء ترجع إلى الله، وقيل إلى اللقاء الذي دل عليه ملاقوا.
قوله تعالى: {وأنى فضلتكم} في موضع نصب تقديره: واذكروا تفضيلي إياكم: قوله تعالى: {واتقوا يوما} يوما هنا مفعول به، لأن الأمر بالتقوى لا يقع في يوم القيامة، والتقدير: واتقوا عذاب يوم أو نحو ذلك {لاتجزى نفس} الجملة في موضع نصب صفة اليوم.
والعائد محذوف تقديره: تجزى فيه.
ثم حذف الجار والمجرور عند سيبويه، لأن الظروف يتسع فيها، ويجوز فيها مالا يجوز في غيرها، وقال غيره تحذف في فتصير تجزيه.
فإن وصل الفعل بنفسه حذف المفعول به بعد ذلك {عن نفس} في موضع نصب بتجزى.
ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال، على أن يكون التقدير: شيئا عن نفس و{شيئا} هنا في حكم المصدر لأنه وقع موقع جزاء.
وهو كثير في القرآن.
لأن الجزاء شيء فوضع العام موضع الخاص {ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل} أي فيه وكذلك {ولاهم ينصرون} ومنها في الموضعين يجوز أن يكون متعلقا بيقبل ويؤخذ، ويجوز أن يكون صفة لشفاعة وعدل، فلما قدم انتصب على الحال، ويقبل يقرأ بالتاء لتأنيث الشفاعة، وبالياء لأنه غير حقيقي، وحسن ذلك للفصل.
قوله تعالى: {وإذ نجيناكم} إذ في موضع نصب معطوفا على اذكروا نعمتي، وكذلك: وإذ فرقنا، وإذ واعدنا، وإذ قلتم يا موسى، وما كان مثله من العطوف {من آل فرعون} أصل آل: أهل، فأبدلت الهاء همزة لقربها منها في المخرج، ثم أبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح الهمزة قبلها مثل: آدم وآمن، وتصغيره أهيل، لأن التصغير يرد إلى الأصل، وقال بعضهم: أويل، فأبدل الألف واوا، ولم يرده إلى الأصل، كما لم يردوا عيدا في التصغير إلى أصله، وقيل أصل آل: أول، من آل يئول، لأن الإنسان: يئول إلى أهله، وفرعون أعجمى معرفة {يسومونكم} في موضع نصب على الحال من آل {سوء العذاب} مفعول به، لأن يسومونكم متعد إلى مفعولين، يقال: سمته الخسف: أي ألزمته الذل {يذبحون} في موضع حال إن شئت من آل على أن يكون بدلا من الحال الأولى، لأن حالين فصاعدا لا تكون عن شيء واحد، إذ كانت الحال مشبهة بالمفعول، والعامل لا يعمل في مفعولين على هذا الوصف، وإن شئت جعلته حالا من الفاعل في يسومونكم، والجمهور على تشديد الباء للتكثير، وقرئ بالتخفيف {بلاء} الهمزة بدل من واو، لأن الفعل منه بلوته، ومنه قوله: {ولنبلونكم}.
{من ربكم} في موضع رفع صفة لبلاء فيتعلق بمحذوف.
قوله تعالى: {فرقنا بكم البحر} بكم في موضع نصب مفعول ثان، والبحر مفعول أول، والباء هنا في معنى اللام، ويجوز أن يكون التقدير، بسببكم، ويجوز أن تكون المعدية كقولك: ذهبت بزيد، فيكون التقدير: أفرقناكم البحر، ويكون في المعنى كقوله تعالى: {وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر} ويجوز أن تكون الباء للحال: أي فرقنا البحر وأنتم به، فيكون إما حالا مقدرة أو مقارنة {وأنتم تنظرون} في موضع الحال.
والعامل أغرقنا.
قوله تعالى: {وعدنا موسى} وعد يتعدى إلى مفعولين تقول: وعدت زيدا مكان كذا ويوم كذا.
فالمفعول الأول موسى.
و{أربعين} المفعول الثاني، وفى الكلام حذف تقديره تمام أربعين.
وليس أربعين ظرفا إذ ليس المعنى وعده في أربعين، ويقرأ واعدنا بألف.
وليس من باب المفاعلة الواقعة من اثنين، بل مثل قولك: عافاه الله.
وعاقبت اللص، وقيل هو من ذلك لأن الوعد من الله والقبول من موسى.
فصار كالوعد منه، وقيل إن الله أمر موسى أن يعد بالوفاء ففعل.
وموسى مفعل من أوسيت رأسه إذا حلقته.
فهو مثل أعطى فهو معطى، وقيل هو فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه، فموسى الحديد من هذا المعنى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الحلق.
فالوا: في موسى على هذا بدل من الياء لسكونها وانضمام ما قبلها، وموسى اسم النبي لا يقضى عليه بالاشتقاق لأنه أعجمى، وإنما يشتق موسى الحديد {ثم اتخذتم العجل} أي إلها فحذف المفعول الثاني ومثله: {باتخاذكم العجل} وقد تأتى اتخذت متعدية إلى مفعول واحد إذا كانت بمعنى جعل وعمل، كقوله تعالى: {وقالوا اتخذ الله ولدا} وكقولك: اتخذت دارا وثوبا وما أشبه ذلك، ويجوز إدغام الذال في التاء لقرب مخرجيهما، ويجوز الإظهار على الأصل {من بعده} أي من بعد انطلاقه فحذف المضاف.
قوله تعالى: {لعلكم} اللام الأولى أصل عند جماعة، وإنما تحذف تخفيفا في قولك علك، وقيل هي زائدة والأصل علك، ولعل حرف والحذف تصرف والحرف بعيد منه.
قوله تعالى: {والفرقان} هو في الأصل مصدر مثل الرجحان، والغفران، وقد جعل اسما للقرآن.
قوله تعالى: {لقومه} اللغة الجيدة أن تكسر الهاء إذا انكسر ما قبلها وتزاد عليها ياء في اللفظ لأنها خفية لاتبين كل البيان بالكسر وحده، فإن كان قبلها ياء مثل عليه فالجيد أن تكسر الهاء من غير ياء لأن الهاء خفية ضعيفة، فإذا كان قبلها ياء وبعدها ياء لم يقو الحاجز بين الساكنين، فإن كان قبل الهاء فتحة أو ضمة ضمت ولحقتها واو في اللفظ، نحو: إنه وغلامه لما ذكرنا {يا قوم} حذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة، وهذا يجوز في النداء خاصة، لأنه لا يلبس، ومنهم من يثبت الياء ساكنة ومنهم من يفتحها، ومنهم من يقلبها ألفا بعد فتح ما قبلها، ومنهم من يقول: يا قوم بضم الميم {إلى بارئكم} القراءة بكسر الهمزة، لأن كسرها إعراب، وروى عن أبى عمرو تسكينها فرار من توالى الحركات، وسيبويه لا يثبت هذه الرواية، وكان يقول: إن الراوى لم يضبط عن أبى عمرو، لأن أبا عمرو اختلس الحركة فظن السامع أنه سكن {ذلكم} قال بعضهم: الأصل ذانكم، لأن المقدم ذكره التوبة والقتل، فأوقع المفرد موقع التثنية، لأن ذا يحتمل الجميع، وهذا ليس بشئ لأن قوله: {فاقتلوا} تفسير التوبة فهو واحد {فتاب عليكم} في الكلام حذف تقديره: ففعلتم فتاب عليكم.
قوله تعالى: {لن نومن لك} إنما قال: نؤمن لك لابك، لأن المعنى لن نؤمن لأجل قولك، أو يكون محمولا على: لن نقر لك بما ادعتيه {جهرة} مصدر في موضع الحال من اسم الله: أي نراه ظاهرا غير مستور، وقيل حال من التاء، والميم في قلتم: أي قلتم ذلك مجاهرين، وقيل هو مصدر منصوب بفعل محذوف.
أي جهرتم جهرة، و{الصاعقة} فاعلة بمعنى مفعلة، يقال: أصعقتهم الصاعقة فهو كقولهم: أورس النبت فهو وارس، وأعشب فهو عاشب.
قوله تعالى: {وظللنا عليكم الغمام} أي جعلناه ظلا، وليس كقولك: ظللت زيدا بظل لأن ذلك يؤدى إلى أن يكون الغمام مستورا بظل آخر، ويجوز أن يكون التقدير بالغمام، والغمام جمع غمامة، والصحيح أن يقال هو جنس، فإذا أردت الواحد زدت عليه التاء.
قوله تعالى: {المن والسلوى} جنسان {كلوا من طيبات} {من} هنا للتبعيض أو لبيان الجنس، والمفعول محذوف، والتقدير: كلوا شيئا من طيبات.
{أنفسهم} مفعول {يظلمون} وقد أوقع أفعلا، وهو من جموع القلة موضع جمع الكثرة.
قوله تعالى: {هذه القرية} القرية نعت لهذه {سجدا} حال وهو جمع ساجد وهو أبلغ من السجود {حطة} خبر مبتدإ محذوف أي سؤالنا حطة، وموضع الجملة نصب بالقول، وقرئ حطة بالنصب على المصدر: أي حط عنا حطة {نغفر لكم} جواب الأمر وهو مجزوم في الحقيقة بشرط محذوف تقديره: إن تقولوا ذلك نغفر لكم، والجمهور على إظهار الراء عند اللام، وقد أدغمها قوم، وهو ضعيف لأن الراء مكررة فهى في تقدير حرفين، فإذا أدغمت ذهب أحدهما، واللام المشددة لاتكرير فيها، فعند ذلك يذهب التكير القائم مقام حرف، ويقرأ: {تغفر لكم} بالتاء على ما لم يسم فاعله، وبالياء كذلك لأنه فصل بين الفعل والفاعل، ولأن تأنيث الخطايا غير حقيقي {خطاياكم} هو جمع خطيئة، وأصله عند الخليل: خطائئ بهمزتين، الأولى منهما مكسورة، وهى المنقلبة عن الياء الزائدة في خطيئة فهو مثل صحيفة وصحائف، فاستثقل الجمع بين الهمزتين، فنقلوا الهمزة الأولى إلى موضع الثانية، فصار وزنه فعالئ، وإنما فعلوا ذلك لتصير المكسورة طرفا فتنقلب ياء فتصير فعالى ثم أبدلوا من كسرة الهمزة الأولى فتحة فانقلبت الياء بعدها ألفا، كما قالوا في: يا لهفي وياأسفى، فصارت الهمزة بين ألفين، فأبدل منهاياء لأن الهمزة قريبة من الألف، فاستكرهوا اجتماع ثلاث ألفات، فخطايا فعالى، ففيها على هذاخمس تغييرات: تقديم اللام عن موضعها، وإبدال الكسرة فتحة، وإبدال الهمزة الأخيرة ياء، ثم إبدالها ألفا، ثم إبدال الهمزة التي هي لام ياء، وقال سيبويه: أصلها خطائئ، كقول الخليل، إلا أنه أبدل الهمزة الثانية لانكسار ما قبلها، ثم أبدل من الكسرة فتحة فانقلبت الياء ألفا، ثم أبدل الهمزة ياء، فلا تحويل على مذهبه.
وقال الفراء: الواحدة خطية، بتخفيف الهمزة والإدغام، فهو مثل مطية ومطايا.
قوله تعالى: {فبدل الذين ظلموا} في الكلام حذف تقديره: فبدل الذين ظلموا بالذى قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم، فبدل يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه، وإلى آخر بالباء، والذى مع الباء هو المتروك، والذى بغير باء هو الموجود كقول أبى النجم:
وبدلت والدهر ذو تبدل ** هيفا دبورا بالصبا والشمأل

فالذي انقطع عنها الصبا، والذى صار لها الهيف، فكذلك هاهنا، ويجوز أن يكون بدل محمولا على المعنى تقديره: فقال الذين ظلموا قولا غير الذى، لأن تبديل القول كان بقول: {من السماء} في موضوع نصب متعلق بأنزلنا، ويجوز أن يكون صفة لرجز، فيتعلق بمحذوف، والرجز بكسر الراء وضمها لغتان {بما كانوا} الباء بمعنى السبب: أي عاقبناهم بسبب فسقهم.
قوله: {استسقى} الألف منقلبة عن ياء لأنه من السقى.
وألف العصا من واو، لأن تثنيتها عصوان، وتقول: عصوت بالعصا: أي ضربت بها، والتقدير: فضرب فانفجرت اثنتا عشرة من العرب من يسكن الشين، ومنهم من يكسرها، وقد قرئ بهما، ومنهم من يفتحها {مفسدين} حال مؤكدة لأن قوله: {لا تعثوا} لا تفسدوا: قوله تعالى: {يخرج لنا مما تنبت الأرض} مفعول يخرج محذوف تقديره: شيئا مما تنبت الأرض، وما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، ولا تكون مصدرية لأن المفعول المقدر لا يوصف بالإنبات، لأن الإنبات مصدر والمحذوف جوهر {من بقلها} من هنا لبيان الجنس ووضعها نصب على الحال من الضمير المحذوف تقديره: مما تنبته الأرض كائنا من بقلها، ويجوز أن يكون بدلا من ما الأولى بإعادة حرف الجر، والقثاء بكسر القاف وضمها لغتان، وقد قرئ بهما، والهمزة أصل لقولهم: أقثأت الأرض، واحدته قثاءة {أدنى} ألفه منقلبة عن واو لأنه من دنا يدنو إذا قرب، وله معنيان: أحدهما أن يكون المعنى ما تقرب قيمته بخساسته ويسهل تحصيله، والثانى أن يكون بمعنى القريب منكم لكونه في الدنيا و{الذى هو خير} ماكان من امتثال أمر الله، لأنه نفعه متأخر إلى الآخرة.
وقيل الألف مبدلة من همزة لأنه مأخوذ من دنؤ يدنؤ فهو دنئ، والمصدر الدناءة، وهو من الشيء الخسيس، فأبدل الهمزة ألفا كما قال:
لأهناك المرتع

وقيل أصله أدون، من الشيء الدون، فأخر الواو فانقلبت ألفا، فوزنه الآن أفلع {اهبطوا} الجيد كسر الباء والضم لغة وقد قرئ به {مصرا} نكرة، فلذلك انصرف، والمعنى: اهبطوا بلدا من البلدان، وقيل هو معرفة وانصرف لسكونه أوسطه، وترك الصرف جائز، وقد قرئ به، وهو مثل هند ودعد، والمصر في الأصل: هو الحد بين الشيئين {ما سألتم} {ما} في موضع نصب اسم إن، وهى بمعنى الذى، ويضعف أن تكون نكرة موصوفة {وباءوا} الألف في باءوا منقلبة عن واو، لقولك في المستقبل يبوء {بغضب} في موضع الحال: أي رجعوا مغضوبا عليهم {من الله} في موضع جر صفة لغضب {ذلك بأنهم} ذلك مبتدأ، وبأنهم {كانوا يكفرون} الخبر، والتقدير: ذلك الغضب مستحق بكفرهم {النبيين} أصل النبي الهمزة، لأنه من النبأ، وهو الخبر، لأنه يخبر عن الله، لكنه خفف بأن قلبت الهمزة ياء، ثم أدغمت الياء الزائدة فيها، وقيل من لم يهمز أخذه من النبوة وهو الارتفاع، لأن رتبة النبي ارتفعت عن رتب سائر الخلق، وقيل النبي الطريق، فالمبلغ عن الله طريق الخلق إلى الله وطريقه إلى الخلق، وقد قرئ بالهمز على الأصل {بغير الحق} في موضع نصب على الحال من الضمير في يقتلون، والتقدير: يقتلونهم مبطلين، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف تقديره قتلا بغير الحق، وعلى كلا الوجهين هو توكيد.
{عصوا} أصله عصيوا، فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين وبقيت الفتحة تدل عليها، والواو هنا تدغم في الواو التي بعدها لأنها مفتوح ما قبلها، فلم يكن فيها مد يمنع من الإدغام، وله في القرآن نظائر كقوله: {فقد اهتدوا وإن تولوا} فإن انضم ما قبل هذه الواو نحو: آمنوا وعملوا لم يجز إدغامها، لأن الواو المضموم ما قبلها يطول مدها فيجرى مجرى الحاجز بين الحرفين.
قوله تعالى: {والصابئين} يقرأ بالهمز على الأصل، وهو من صبأ يصبأ إذا مال ويقرأ بغير همز وذلك على قلب الهمزة ألفا في صبا، وعلى قلبها ياء في صابى، ولما قلبها ياء حذفها من أجل ياء الجمع.
والألف في هادوا منقلبة عن واو، لأنه من هاد يهود إذا تاب، ومنه قوله تعالى: {إنا هدنا إليك} ويقال هو من الهوادة، وهو الخضوع، ويقال أصلها ياء، من هاد يهيد، إذا تحرك {من آمن} من هنا شرطية في موضع مبتدإ، والخبر آمن، والجواب {فلهم أجرهم} والجملة خبر إن الذين، والعائد محذوف تقديره: من آمن منهم، ويجوز أن يكون من بمعنى الذي غير جازمة، ويكون بدلا من اسم إن، والعائد محذوف أيضا، وخبر إن {فلهم أجرهم} وقد حمل على لفظ من آمن وعمل، فوجد الضمير وحمل على معناها {فلهم أجرهم} فجمع وأجرهم مبتدأ، ولهم خبره، وعند الأخفش أن أجرهم مرفوع بالجار و{عند} ظرف، والعامل فيه معنى الاستقرار، ويجوز أن يكون عند في موضع الحال من الأجر تقديره: فلهم أجرهم عند {ربهم} والأجر في الأصل مصدر يقال: أجره الله يأجره أجرا، ويكون بمعنى المفعول به لأن الأجر هو الشيء الذي يجازى به المطيع فهو مأجور به.
قوله تعالى: {فوقكم} ظرف لرفعنا، ويضعف أن يكون حالا من الطور، لأن التقدير يصير رفعنا الطور عاليا، وقد استفيد هذا من رفعنا، ولأن الجبل لم يكن فوقهم وقت الرفع، وإنما صار فوقهم بالرفع {خذوا ما آتيناكم} التقدير: وقلنا خذوا، ويجوز أن يكون القول المحذوف حالا والتقدير: رفعنا فوقكم الطور قائلين خذوا {بقوة} في موضع نصب على الحال المقدرة، والتقدير: خذوا الذي آتيناكموه عازمين على الجد في العمل به، وصاحب الحال الواو في خذوا، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المحذوف، والتقدير: خذوا ما آتيناكموه، وفيه الشدة والتشدد في الوصية بالعمل به.
قوله تعالى: {فلولا} هي مركبة من لو ولا، ولو قبل التركيب يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، ولاللنفى، والامتناع نفى في المعنى، فقد دخل النفى بلا على أحد امتناعي لو والامتناع نفى في المعنى، والنفى إذا دخل على النفى صار إيجابا، فمن هنا صار معنى لولا هذه يمتنع بها الشيء لوجود غيره، و{فضل الله} مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: لولا فضل الله حاضر، ولزم حذف الخبر لقيام العلم به، وطول الكلام بجواب لولا، فإن وقعت أن بعد لولا ظهر الخبر كقوله تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين} فالخبر في اللفظ لأن.
وذهب الكوفيون إلى أن الاسم الواقع بعد لولا هذه فاعل لولا.
قوله: {علمتم الذين اعتدوا} علمتم هاهنا بمعنى عرفتم، فيتعدى إلى مفعول واحد، و{منكم} في موضع نصب حالا من الذين اعتدوا: أي المعتدين كائنين منكم، و{في السبت} متعلق باعتدوا، وأصل السبت مصدر، يقال: سبت يسبت سبتا، إذا قطع، ثم سمى اليوم سبتا، وقد يقال يوم السبت فيخرج مصدرا على أصله، وقد قالوا: اليوم السبت، فجعلوا اليوم خبرا عن السبت، كما يقال: اليوم القتال، فعلى ما ذكرنا يكون في الكلام حذف تقديره يوم السبت {خاسئين} الفعل منه خسأ إذا ذل، فهو لازم مطاوع خسأته، فاللازم منه والمتعدي بلفظ واحد مثل: زاد الشيء وزدته، وغاض الماء وغضته، وهو صفة لقردة، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا وأن يكون حالا من فاعل كان، والعامل فيها كان.
قوله تعالى: {فجعلناها} الضمير للعقوبة أو المسخة أو الأمة، و{نكالا} مفعول ثان.
قوله تعالى: {يأمركم} الجمهور على ضم الراء، وقرئ بإسكانها، لان الكاف متحركة وقبل الراء حركة، فسكنوا الأوسط تشبيها له بعضد، وأجروا المنفصل مجرى المتصل، ومنهم من يختلس ولا يسكن، والجيد همزه، وقرئ بالألف على إبدال الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها، ومثله: الراس والباس {أن تذبحوا} في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الجر، وتقديره: بأن تذبحوا، وعلى قول الخليل هو في موضع جر بالباء ويجوز أن يقول الخليل هو هنا في موضع نصب فتعدى أمرت بنفسه، كما قال:
أمرتك الخير فافعل

{هزوا} مصدر وفيه ثلاث لغات: الهمز وضم الزاى، والهمز وسكون الزاى، وقلب الهمزة واوا مع ضم الزاى، وربما سكنت الزاى أيضا وهو مفعول ثان لاتخذ، وفيه مضاف محذوف تقدير: أتتخذنا ذوى هزؤ، ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى المفعول تقديره: مهزوءا بهم، وجواب الاستفهام معنى {أعوذ بالله أن أكون} لأن المعنى أن الهازئ جاهل كأنه قال: لا أهزأ.
قوله تعالى: {ادع لنا} اللغة الجيدة ضم العين، والواو محذوفة علامة للبناء عند البصريين وللجزم عند الكوفيين، ومن العرب من يكسر العين، ووجهها أنه قدر العين ساكنة كأنها آخر الفعل، ثم كسرها لسكونها وسكون الدال قبلها {ما لونها} ما اسم للاستفهام في موضع رفع بالابتداء، ولونها الخبر، والجملة في موضع نصب بيبين، ولو قرئ لونها بالنصب لكان له وجه، وهو أن تجعل ما زائدة كهى في قوله: {أيما الأجلين قضيت} ويكون التقدير: يبين لنا لونها.
وأما {ماهى} فابتداء وخبر لاغير، إذ لا يمكن جعل ما زائدة، لأن هي لا يصلح أن يكون مفعول يبين {لا فارض} صفة لبقرة، {ولا} لا تمنع ذلك لأنها دخلت لمعنى النفى، فهو كقولك: مررت برجل لا طويل ولاقصير، وإن شئت جعلته خبر مبتدإ: أي لاهى فارض {ولا بكر} مثله، وكذلك {عوان بين ذلك} أي بينهما، وذلك لما صلح للتثنية والجمع جاز دخول بين عليه واكتفى به {ما تؤمرون} أي به، أو تؤمرونه، وما بمعنى الذى، ويضعف أن يكون نكرة موصوفة، لأن المعنى على العموم، وهو بالذى أشبه.
قوله تعالى: {فاقع لونها} إن شئت جعلت فاقع صفة، ولونها مرفوعا به، وإن شئت كان خبرا مقدما والجملة صفة {تسر} صفة أيضا، وقيل فاقع صفة للبقرة، ولونها مبتدأ، وتسر خبره، وأنث اللون لوجهين: أحدهما أن اللون صفرة هاهنا فحمل على المعنى.
والثانى أن اللون مضاف إلى المؤنث فأنث، كما قال: ذهبت بعض أصابعه، و{يلتقطه بعض السيارة}.
قوله تعالى: {إن البقر} الجمهور على قراءة البقر بغير ألف، وهو جنس للبقرة، وقرئ شإذا {إن الباقر} وهو اسم بقرة، ومثله الجامل {تشابه} الجمهور على تخفيف الشين وفتح الهاء لأن البقر تذكر والفعل ماض، ويقرأ بضم الهاء مع التخفيف على تأنيث البقر إذ كانت كالجمع، ويقرأ بضم الهاء وتشديد الشين وأصله، تتشابه، فأبدلت التاء الثانية شينا ثم أدغمت، ويقرأ كذلك، إلا أنه بالياء على التذكير {إن شاء الله} جواب الشرط إن وما عملت فيه عند سيبويه، وجاز ذلك لما كان الشرط متوسطا، وخبر إن هو جواب الشرط في المعنى، وقد وقع بعده فصار التقدير: إن شاء الله هدايتنا اهتدينا، والمفعول محذوف وهو هدايتنا، وقال المبرد: الجواب محذوف دلت عليه الجملة، لأن الشرط معترض، فالنية به التأخير، فيصير كقولك أنت ظالم إن فعلت.
قوله تعالى: {لاذلول} إذا وقع فعول صفة لم يدخله الهاء للتأنيث، تقول: امرأة صبور وكشور، وهو بناء للمبالغة، وذلول رفع صفة للبقرة، أو خبر ابتداء محذوف وتكون الجملة صفة {تثير} في موضع نصب حالا من الضمير في ذلول وتقديره لا تذل في حال إثارتها، ويجوز أن يكون رفعا اتباعا لذلول، وقيل هو مستأنف أي هي تثير، وهذا قول من قال: إن البقرة كانت تثير الأرض، ولم تكن تسقى الزرع.
وهو قول بعيد من الصحة لوجهين: أحدهما أنه عطف عليه {ولا تسقى الحرث} فنفى المعطوف، فيجب أن يكون المعطوف عليه كذلك لأنه في المعنى واحد.
ألا ترى أنك لا تقول: مررت برجل قائم ولاقاعد، بل تقول: لاقاعد، بغير واو كذلك يجب أن يكون هنا.
والثانى أنها لو أثارت الأرض لكانت ذلولا، وقد نفى ذلك، ويجوز على قول من أثبت هذا الوجه أن تكون تثير في موضع رفع صفة للبقرة {ولا تسقى الحرث} يجوز أن يكون صفة أيضا، وأن يكون خبر ابتداء محذوف، وكذلك {مسلمة} و{لاشية فيها} والأحسن أن يكون صفة، والأصل في شية وشية، لأنه من وشا يشى، فلما حذفت الواو في الفعل حذفت في المصدر وعوضت التاء من المحذوف، ووزنها الآن علة، وفيها خبر لا في موضع رفع {قالوا الآن} الألف واللام في الآن زائدة وهو مبنى، قال الزجاج، بنى لتضمنه معنى حرف الإشارة، كأنك قلت هذا الوقت، وقال أبو على: بنى لتضمنه معنى لام التعريف، لأن الألف واللام الملفوظ بهما لم تعرفه، ولا هو علم ولا مضمر، ولا شيء من أقسام المعارف، فيلزم أن يكون تعريفه باللام المقدرة، واللام هنا زائدة زيادة لازمة كما لزمت في الذي وفى اسم الله.
وفى {الآن} أربعة أوجه:
أحدها تحقيق الهمزة وهو الأصل، والثانى إلقاء حركة الهمزة على اللام وحذفها وحذف ألف اللام في هذين الوجهين لسكونها وسكون اللام في الأصل، لأن حركة اللام هاهنا عارضة، والثالث كذلك، إلا أنهم حذفوا ألف اللام لما تحركت اللام فظهرت الواو في قالوا، والرابع إثبات الواو في اللفظ وقطع ألف اللام وهو بعيد {بالحق} يجوز أن يكون مفعولا به، والتقدير: أجأت الحق، أو ذكرت الحق، ويجوز أن يكون حالا من التاء تقديره: جئت ومعك الحق {وإذ قتلتم} تقديره: اذكروا إذ {فادارأتم} أصل الكلمة تدارأتم، ووزنه تفاعلتم، ثم أرادوا التخفيف فقلبوا التاء دالا لتصير من جنس الدال التي هي فاء الكلمة لتمكن الادغام ثم سكنوا الدال، إذ شرط الإدغام أن يكون الأول ساكنا فلم يمكن الابتداء بالساكن فاجتلبت له همرة الوصل، فوزنه الآن افاعلتم بتشديد الفاء مقلوب من اتفاعلتم، والفاء الأولى زائدة ولكنها صارت من جنس الأصل فينطق بها مشددة لا لأنهما أصلان، بل لأن الزائد من جنس الأصلى، فهو نظير قولك ضرب بالتشديد، فإن إحدى الراءين زائدة، ووزنه فعل بتشديد العين كما كانت الراء كذلك ولم نقل في الوزن فعول ولافوعل، فيؤتى بالراء الزائدة في المثال، بل زيدت العين في المثال كما زيدت في الأصل.
وكانت من جنسه، فكذلك التاء في تدارأتم صارت بالإبدال دالا من جنس فاء الكلمة.
فإن سئل عن الوزن ليبين الأصل من الزائد بلفظه الأول أو الثاني.
كان الجواب أن يقال: وزن أصله الأول تفاعلتم، والثانى اتفاعلتم، والثالث افاعلتم، ومثل هذه المسألة {اثاقلتم إلى الأرض} و{حتى إذا اداركوا فيها}.
قوله تعالى: {مخرج ما كنتم تكتمون} {ما} في موضع نصب بمخرج وهى بمعنى الذى، والعائد محذوف، ويجوز أن تكون مصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول: أي يخرج كتمكم أي مكتومكم.
قوله تعالى: {كذلك يحيى الله} الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف تقديره يحيى الله الموتى إحياء مثل ذلك، وفى الكلام حذف تقديره: فضربوها فحييت، قوله تعالى: {فهى كالحجارة} الكاف حرف جر متعلقة بمحذوف تقديره: فهى مستقرة كالحجارة، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل في موضع رفع، ولا تتعلق بشئ {أو أشد} أو هاهنا كأو في قوله: {أو كصيب} وأشد معطوف على الكاف.
تقديره أو هي أشد، وقرئ بفتح الدال على أنه مجرور عطفا على الحجارة، تقديره: أو كأشد من الحجارة و{قسوة} تمييز وهى مصدر {لما يتفجر} ما بمعنى الذي في موضع نصب اسم إن واللام للتوكيد، ولو قرئ بالتاء جاز، ولو كان في غير القرآن لجاز منها على المعنى {يشقق} أصله يتشقق، فقلبت التاء شينا وأدغمت وفاعله ضمير ما، ويجوز أن يكون فاعله ضمير الماء، لأنه {يشقق} يجوز أن يجعل للماء على المعنى، فيكون معك فعلان فيعمل الثاني منهما في الماء، وفاعل الاول مضمر على شريطة التفسير، وعند الكوفيين يعمل الأول فيكون في الثاني ضميره {من خشية الله} من في موضع نصب بيهبط، كما تقول: يهبط بخشية الله {عما يعملون} ما بمعنى الذى، ويجوز أن تكون مصدرية.
قوله تعالى: {أن يؤمنوا لكم} حرف الجر محذوف، أي في أن يؤمنوا، وقد تقدم ذكر موضع مثل هذا من الإعراب {وقد كان} الواو واو الحال، والتقدير: أفتطمعون في إيمانهم وشأنهم الكذب والتحريف {منهم} في موضع رفع صفة لفريق، و{يسمعون} خبر كان، وأجاز قوم أن يكون يسمعون صفة لفريق، ومنهم الخبر وهو ضعيف {ما عقلوه} {ما} مصدرية {وهم يعلمون} حال، والعامل فيها يحرفونه، ويجوز أن يكون العامل عقلوه، ويكون حالا مؤكدة.
قوله تعالى: {بما فتح الله} يجوز أن تكون {ما} بمعنى الذى، وأن تكون مصدرية، وأن تكون نكرة موصوفة {ليحاجوكم} اللام بمعنى كى، والناصب للفعل أن مضمرة، لأن اللام في الحقيقة حرف جر، ولا تدخل إلا على الاسم، وأكثر العرب يكسر هذه اللام، ومنهم من يفتحها.
قوله تعالى: {أميون} مبتدأ وما قبله الخبر، ويجور على مذهب الأخفش أن يرتفع بالظرف {لا يعلمون} في موضع رفع صفة لأميين {إلا أمانى} استثناء منقطع، لأن الأماني ليست من جنس العلم، وتقدير إلا في مثل هذا بلكن، أي لكن يتمنونه أمانى، وواحد الأماني: أمنية، والياء مشددة في الواحد والجمع، ويجوز تخفيفها فيهما {وإن هم} إن بمعنى ما، ولكن لاتعمل عملها، وأكثر ما تأتى بمعناها إذا انتقض النفى بإلا، وقد جاءت وليس معها إلا، وسيذكر في موضعه، والتقدير: وإن هم {إلا} قوم {يظنون}.
قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون} ابتداء وخبر، ولو نصب لكان له وجه على أن يكون التقدير: ألزمهم الله ويلا، واللام للتبيين لأن الاسم لم يذكر قبل المصدر والويل مصدر لم يستعمل منه فعل، لإن فاءه وعينه معتلتان.